فصل: سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر القبض على الموفق أبي علي بن إسماعيل:

قد ذكرنا مسيره إلى قتال ابن بختيار، وقتله ابن بختيار، فلما عاد أكرمه بهاء الدولة ولقيه بنفسه، فاستعفى الموفق من الخدمة، فلم يعفه بهاء الدولة، فألح كل واحد منهما، فأشار أبو محمد بن مكرم على الموفق بترك ذلك، فلم يقبل، فقبض عليه بهاء الدولة وأخذ أمواله، وكتب إلى وزيره سابور ببغداد بالقبض على أنساب الموفق، فعرفهم ذلك سراً، فاحتالوا لنفوسهم وهربوا، واستعمل بهاء الدولة أبا محمد بن مكرم على عمان، ثم إن بهاء الدولة قتل الموفق سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة استعمل بهاء الدولة أبا علي الحسن هرمز على خوزستان، وكانت قد فسدت أحوالها بولاية أبي جعفر الحجاج لها، ومصادرته لأهلها، فعمرها أبو علي، ولقبه بهاء الدولة عميد الجيوش، وحمل إلى بهاء الدولة منها أموالاً جليلة مع حسن سيرةٍ في أهلها وعدل.
وفيها ظهر في سجستان معدن الذهب، فكانوا يحفرون التراب ويخرجون منه الذهب الأحمر.
وفيها توفي الشريف أبو الحسن محمد بن عمر العلوي، ودفن بالكرخ، وعمره خمس وسبعون سنة، وهو مشهور بكثرة المال والعقار؛ والقاضي أبو الحسن ابن قاضي القضاة أبي محمد بن معروف؛ والقاضي أبو الفرج المعافى بن زكرياء المعروف بابن طرار الجريري، بفتح الجيم، منسوب إلى محمد بن جرير الطبري لأنه كان يتفقه على مذهبه، وكان عالماً بفنون العلوم، كثير الرواية والتصنيف فيها. ثم دخلت:

.سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة:

.ذكر قتل المقلد وولاية ابنه قرواش:

في هذه السنة قتل حسام الدولة المقلد بن المسيب العقيلي غيلةً، قتله مماليك له ترك.
وكان سبب قتله أن هؤلاء الغلمان كانوا قد هربوا منه، فتبعهم وظفر بهم، وقتل منهم وقطع، وأعاد الباقين، فخافوه على نفوسهم، فاغتنم بعضهم غفلته وقتله بالأنبار، وكان قد عظم أمره، وراسل وجوه العساكر ببغداد، وأراد التغلب على الملك، فأتاه الله من حيث لا يشعر.
ولما قتل كان ولده الأكبر قرواش غائباً، وكانت أمواله وخزائنه بالأنبار، فخاف نائبه عبدالله بن إبراهيم بن شهرويه بادرة الجند، فراسل أبا منصور بن قراد اللديد، وكان بالسندية، فاستدعاه إليه وقال له: أنا أجعل بينك وبين قرواش عهداًن وأزوجه ابنتك وأقاسمك على ما خلفه أبوه، ونساعده على عمه الحسن إن قصده وطمع فيه. فأجابه إلى ذلك وحمى الخزائن والبلد.
وأرسل عبدالله إلى قرواش يحثه على الوصول، فوصل وقاسمه على المال، وأقام قراد عنده.
ثم إن الحسن بن المسيب جمع مشايخ عقيل، وشكا قرواشاً إليهم وما صنع مع قراد، فقالوا له: خوفه منك حمله على ذلك؛ فبذل من نفسه الموافقة له، والوقوف عند رضاه، وسفر المشايخ بينهما فاصطلحا، واتفقا على أن يسير الحسن إلى قرواش شبه المحارب، ويخرج هو واقراد لقتاله، فإذا لقي بعضهم عادوا جميعاً على قراد فأخذوه، فسار الحسن وخرج قرواش وقراد لقتاله.
فلما تراءى الجمعان جاء بعض أصحاب قراد إليه فأعلمه الحال، فهرب على فرس له، وتبعه قرواش والحسن فلم يدركاه، وعاد قرواش إلى بيت قراد فأخذ ما فيه من الأموال التي أخذها من قرواش، وهي بحالها، وسار قرواش إلى الكوفة، فأوقع بخفاجة عندها وقعة عظيمة، فساروا بعدها إلى الشام، فأقاموا هناك حتى أحضرهم أبو جعفر الحجاج، على ما نذكره إن شاء الله.

.ذكر البيعة لولي العهد:

في هذه السنة، في ربيع الأول، أمر القادر بالله بالبيعة لولده أبي الفضل بولاية العهد، وأحضر حجاج خراسان وأعلمهم ذلك، ولقبه الغالب بالله.
وكان سبب البيعة له أن أبا عبدالله بن عثمان الواثقي، من ولد الواثق بالله أمير المؤمنين، كان من أهل نصيبين، فقصد بغداد، ثم سار عنها إلى خراسان، وعبر النهر إلى هارون بن ايلك بغرا خاقان، وصحبه الفقيه أبو الفضل التميمي، وأظهر أنه رسول من الخليفة إلى هارون يأمره بالبيعة لهذا الواثقي، فإنه ولي عهدٍ، فأجابه خاقان إلى ذلك، وبايع له وخطب له ببلاده وأنفق عليه. فبلغ ذلك القادر بالله، فعظم عليه، وراسل خاقان في معناه، فلم يصغ إلى رسالته.
فلما توفي هارون خاقان، وولي بعده أحمد قراخاقان، كاتبه الخليفة في معناه، فأمر بإبعاده، فحينئذ بايع الخليفة لولده بولاية العهد.
وأما الواثقي فإنه خرج من عنده أحمد قراخاقان وقصد بغداد فعرف بها وطلب، فهرب منها إلى البصرة، ثم إلى فارس وكرمان، ثم إلى بلاد الترك، فلم يتم له ما أراد، وراسل الخليفة الملوك يطلبه، فضاقت عليه الأرض، وسار إلى خوارزم وأقام بها، ثم فارقها، فأخذه يمين الدولة محمود بن سبكتكين فحبسه في قلعة إلى أن توفي بها.

.ذكر استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها:

في هذه السنة سار طاهر بن خلف بن أحمد، صاحب سجستان، إلى كرمان طالباً ملكها.
وكان سبب مسيره إليها أنه كان قد خرج عن طاعة أبيه، وجرى بينهما حروب كان الظفر فيها لأبيه، ففارق سجستان وسار إلى كرمان، وبها عسكر بهاء الدولة، وهي له على ما ذكرناه، فاجتمع من بها من العساكر إلى المقدم عليهم ومتولي أمر البلد، وهو أبو موسى سياهجيل، فقالوا له: إن هذا الرجل قد وصل، وهو ضعيف، والرأي أن تبادره قبل أن يقوى أمره ويكثر جمعه، فلم يفعل واستهان به، فكثر جمع طاهر، وصعد إلى الجبال، وبها قوم من العصاة على السلطان، فاحتمى بهم وقوي، فنزل إلى جيرفت فملكها وملك غيرها، وقوي طمعه في الباقي.
فقصده أبو موسى والديلم، فهزمهم، وأخذ بعض ما بقي بأيديهم، فكاتبوا بهاء الدولة، فسير إليهم جيشاً عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز، فسار إلى كرمان، وقصد بم، وبها طاهر، فجرى بين طلائع العسكرين حرب، وعاد طاهر إلى سجستان، وفارق كرمان، فلما بلغ سجستان أطلق المأسورين، ودعاهم إلى قتال أبيه معه، وحلف لهم أنهم إذا نصروه وقاتلوا معه أطلقهم، ففعلوا ذلك، وقاتل أباه، فهزمه وملك طاهر البلاد، ودخل أبوه إلى حصن له منيع فاحتمى به.
وأحب الناس طاهراً لحسن سيرته، وسوء سيرة والده، وأطلق طاهر الديلم، ثم إن أباه راسل أصحابه ليفسدهم عليه، فلم يفعلوا، فعدل إلى مخادعته، وراسله يظهر له الندم على ما كان منه، ويستميله بأنه ليس له ولد غيره، وأنه يخاف أن يموت فيملك بلاده غير ولده. ثم استدعاه إليه جريدة ليجتمع به ويعرفه أحواله، فتواعدا تحت قلعة خلف، فأتاه ابنه جريدة، ونزل هو إليه كذلك، وكان قد كمن بالقرب منه كمينا، فلما لقيه اعتنقه، وبكى خلف، وصاح في بكائه، فخرج الكمين وأسروا طاهراً فقتله أبوه بيده، وغسله ودفنه، ولم يكن له ولد غيره.
فلما قتل طمع الناس في خلف، لأنهم كانوا يخافون ابنه لشهامته، وقصده حينئذ محمود بن سبكتكين، فملك بلاده على ما نذكره؛ وأما العتبي فذكر في سبب فتحها غير هذا، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة ثار الأتراك ببغداد بنائب السلطان، وهو أبو نصر سابور، فهرب منهم، ووقعت الفتنة بين الأتراك والعامة من أهل الكرخ، وقتل بينهم قتلى كثيرة، ثم إن السنة من أهل بغداد ساعدوا الأتراك على أهل الكرخ، فضعفوا عن الجميع، فسعى الأشراف في إصلاح الحال فسكنت الفتنة.
وفيها ولد الأمير أبو جعفر عبدالله بن القادر، وهو القائم بأمر الله.
وفيها، في ربيع الأول، توفي أبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى، وكان فاضلاً عالماً بعلوم الإسلام وبالمنطق، وكان يجلس للتحديث، وروى الناس عنه.
وفيها توفي القاضي أبو الحسن الجزري، وكان على مذهب داود الظاهري، وكان يصحب عضد الدولة قديماً.
وفيها توفي أبو عبدالله الحسين بن الحجاج الشاعر بطريق النيل، وحمل إلى بغداد، وديوانه مشهور.
وفيها توفي بكران بن أبي الفوارس خال الملك جلال الدولة بواسط.
وفيها توفي جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات المعروف بابن حنزابة، الوزير، ومولده سنة ثمان وثلاثمائة، وكان سار إلى مصر فولي وزارة كافور وروي حديثاً كثيراً. ثم دخلت:

.سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة:

.ذكر وقعة ليمين الدولة بالهند:

في هذه السنة أوقع يمين الدولة محمود بن سبكتكين بجيبال ملك الهند وقعة عظيمة.
وسبب ذلك أنه لما اشتغل بأمر خراسان وملكها، وفرغ منها ومن قتال خلف بن أحمد، وخلا وجهه من ذلك، أحب أن يغزو الهند غزوةً تكون كفارة لما كان منه من قتال المسلمين، فثنى عنانه نحو تلك البلاد، فنزل على مدينة برشور، فأتاه عدو الله جيبال ملك الهند في عساكر كثيرة، فاختار يمين الدولة من عساكره والمطوعة خمسة عشر ألفاً، وسار نحوه، فالتقوا في المحرم من هذه السنة، فاقتتلوا، وصبر الفريقان.
فلما انتصف النهار انهزم الهند، وقتل فيهم مقتلة عظيمة، وأسر جيبال ومعه جماعة كثيرة من أهله وعشيرته، وغنم المسلمون منهم أموالاً جليلة، وجواهر نفيسة، وأخذ من عنق عدو الله جيبال قلادة من الجوهر العديم النظير قومت بمائتي ألف دينار، وأصيب أمثالها في أعناق مقدمي الأسرى، وغنموا خمس مائة ألف رأس من العبيد، وفتح من بلاد الهند بلاداً كثيرة، فلما فرغ من غزواته أحب أن يطلق جيبال ليراه الهنود في شعار الذل، فأطلقه بمالٍ قرره عليه، فأدى المال.
ومن عادة الهند أنهم من حصل منهم في أيدي المسلمين أسيراً لم ينعقد له بعدها رئاسة، فلما رأى جيبال حاله بعد خلاصه حلق رأسه، ثم ألقى نفسه في النار، فاحترق بنار الدنيا قبل نار الآخرة.

.ذكر غزوة أخرى إلى الهند أيضاً:

فلما فرغ يمين الدولة من أمر جيبال رأى أن يغزو غزوة أخرى، فسار نحو ويهند، فأقام عليها محاصراً لها، حتى فتحها قهراً، وبلغه أن جماعة من الهند قد اجتمعوا بشعاب تلك الجبال عازمين على الفساد والعناد، فسير إليهم طائفة من عسكره، فأوقعوا بهم، وأكثروا القتل فيهم، ولم ينج منهم إلا الشريد الفريد، وعاد إلى غزنة سالماً ظافراً.

.ذكر الحرب بين قرواش وعسكر بهاء الدولة:

في هذه السنة سير قرواش بن المقلد جمعاً من عقيل إلى المدائن فحصروها، فسير إليهم أبو جعفر نائب بهاء الدولة جيشاً فأزالوهم عنها، فاجتمعت عقيل وأبو الحسن ابن مزيد في بني أسد، وقويت شوكتهم فخرج الحجاج إليهم، واستنجد خفاجة، وأحضرهم من الشام، فاجتمعوا معه، واقتتلوا بنواحي باكرم في رمضان، فانهزمت الديلم والأتراك، وأسر منهم خلق كثير، واستبيح عسكرهم.
فجمع أبو جعفر من عنده من العسكر وخرج إلى بني عقيل وابن مزيد، فالتقوا بنواحي الكوفة، واشتد القتال بينهم، فانهزمت عقيل وابن مزيدن وقتل من أصحابهم خلق كثير، وأسر مثلهم، وسار إلى حلل ابن مزيد فأوقع بمن فيها فانهزموا أيضاً، فنهبت الحلل والبيوت والأموال، ورأوا فيها من العين والمصاغ والثياب ما لا يقدر قدره.
ولما سار أبو جعفر عن بغداد اختلت الأحوال بها، وعاد أمر العيارين فظهر، واشتد الفساد، وقتلت النفوس، ونهبت الأموال، وأحرقت المساكن، فبلغ ذلك بهاء الدولة، فسير إلى العراق لحفظه أبا علي بن أبي جعفر المعروف بأستاذ هرمز، ولقبه عميد الجيوش، وأرسل إلى أبي جعفر الحجاج، وطيب قلبه، ووصل أبو علي إلى بغداد، فأقام السياسة، ومنع المفسدين، فسكنت الفتنة وأمن الناس.
وفيها توفي محمد بن محمد بن جعفر أبو بكر الفقيه الشافعي المعروف بابن الدقاق، صاحب الأصول. ثم دخلت:

.سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة:

.ذكر ملك يمين الدولة سجستان:

في هذه السنة ملك يمين الدولة محمود بن سبكتكين سجستان، وانتزعها من يد خلف بن أحمد.
قال العتبي: وكان سبب أخذها أن يمين الدولة لما رحل عن خلف بعد أن صالحه، كما تقدم ذكره سنة تسعين، عهد خلف إلى ولده طاهر، وسلم إيه مملكته، وانعكف هو على العبادة والعلم، وكان عالماً، فاضلاً، محباً للعلماء، وكان قصده أن يوهم يمين الدولة أنه ترك الملك وأقبل على طلب الآخرة ليقطع طمعه عن بلاده.
فلما استقر طاهر في الملك عق أباه وأهمل أمره، فلاطفه أبوه ورفق به، ثم إنه تمارض في حصنه المذكور، واستدعى ولده ليوصي إليه، فحضر عنده غير محتاطٍ، ونسي إساءته، فلما صار عنده قبض عليه وسجنه، وبقي في السجن إلى أن مات فيه، وأظهر عنه أنه قتل نفسه.
ولما سمع عسكر خلف وصاحب جيشه بذلك تغيرت نياتهم في طاعته، وكرهوه، وامتنعوا عليه في مدينته، وأظهروا طاعة يمين الدولة، وخطبوا له، وأرسلوا إليه يطلبون من يتسلم المدينة، ففعل وملكها، واحتوى عليها في هذه السنة، وعزم على قصد خلف وأخذ ما بيده والاستراحة من مكره. فسار إليه، وهو في حصن الطاق، وله سبعة أسوار محكمة، يحيط بها خندق عميق، عريض، لا يخاض إلا من طريق على جسر يرفع عند الخوف، فنازله وضايقه فلم يصل إليه، فأمر بطم الخندق ليمكن العبور إليه، فقطعت الأخشاب وطم بها وبالتراب في يوم واحد مكاناً يعبرون فيه ويقاتلون منه.
وزحف الناس ومعهم الفيول، واشتدت الحرب، وعظم الأمر، وتقدم أعظم الفيول إلى باب السور فاقتلعه بنابيه وألقاه، وملكه أصحاب يمين الدولة، وتأخر أصحاب خلف إلى السور الثاني، فلم يزل أصحاب يمين الدولة يدفعونهم عن سور سور، فلما رأى خلف اشتداد الحرب، وأن أسواره تملك عليه، وأن أصحابه قد عجزوا، وأن الفيلة تحطم الناس طار قلبه خوفاً وفرقاً، فأرسل يطلب الأمان، فأجابه يمين الدولة إلى ما طلب وكف عنه، فلما حضره عنده أكرمه واحترمه، وأمر بالمقام في أي البلاد شاء، فاختار أرض الجوزجان، فسير إليها في هيئة حسنة، فأقام بها نحو أربع سنين.
ونقل إلى يمين الدولة عنه أنه يراسل ايلك الخان يغريه بقصد يمين الدولة، فنقله إلى جردين، واحتاط عليه هناك، إلى أن أدركه أجله في رجب سنة تسع وتسعين، فسلم يمين الدولة جميع ما خلفه إلى ولده أبي حفص. وكان خلف مشهوراً بطلب العلم وجمع العلماء، وله كتاب صنفه في تفسير القرآن من أكبر الكتب.

.ذكر الحرب بين عميد الجيوش أبي علي وبين أبي جعفر الحجاج:

في هذه السنة كانت الحرب بين أبي علي بن أبي جعفر أستاذ هرمز، وبين أبي جعفر الحجاج.
وسبب ذلك أن أبا جعفر كان نائباً عن بهاء الدولة بالعراق، فجمع وغزا، واستناب بعده عميد الجيوش أبا علي، فأقام أبو جعفر بنواحي الكوفة، ولم يستقر بينه وبين أبي علي صلح.
وكان أبو جعفر قد جمع جمعاً من الديلم والأتراك وخفاجة فجمع أبو علي أيضاً جمعاً كثيراً وسار إليه، والتقوا بنواحي النعمانية، فاقتتلوا قتالاً عظيماً، وأرسل أبو علي بعض عسكره، فأتوا أبا جعفر من ورائه، فانهزم أبو جعفر ومضى منهزماً.
فلما أمن أبو علي سار من العراق، بعد الهزيمة، إلى خوزستان، وبلغ السوس، وأتاه الخبر أن أبا جعفر قد عاد إلى الكوفة، فرجع إلى العراق، وجرى بينه وبين أبي جعفر منازعات ومراجعات إلى أن آل الأمر إلى الحرب فاستنجد كل واحدٍ منهم بني عقيل وبني خفاجة وبني أسد، فبينما هم كذلك أرسل بهاء الدولة إلى عميد الجيوش أبي علي يستدعيه، فسار إيه إلى خوزستان لأجل أبي العباس بن واصل، صاحب البطيحة.

.ذكر عصيان سجستان وفتحها ثانية:

لما ملك يمين الدولة سجستان عاد عنها واستخلف عليها أميراً كبيراً من أصحابه، يعرف بقنجى الحاجب، فأحسن السيرة في أهلها.
ثم إن طوائف من أهل العيث والفساد قدموا عليهم رجلاً يجمعهم، وخالفوا على السلطان، فسار إليهم يمين الدولة، وحصرهم في حصن أرك، ونشبت الحرب في ذي الحجة من هذه السنة، فظهر عليهم، وظفر بهم، وملك حصنهم، وأكثر القتل فيهم، وانهزم بعضهم فسير في آثارهم من يطلبهم، فأدركوهم، فأكثروا القتل فيهم حتى خلت سجستان منهم وصفت له واستقر ملكها عليه، فأقطعها أخاه نصراً مضافةً إلى نيسابور.

.ذكر وفاة الطائع لله:

في هذه السنة، في شوال منها، توفي الطائع لله المخلوع ابن المطيع لله، وحضر الأشراف والقضاة وغيرهم دار الخلافة للصلاة عليه والتعزية، وصلى عليه القادر بالله، وكبر عليه خمساً، وتكلمت العامة في ذلك فقيل: إن هذا مما يفعل بالخلفاء؛ وشيع جنازته ابن حاجب النعمان، ورثاه الشريف الرضي فقال:
ما بعد يومك ما يسلو به السالي، ** ومثل يومك لم يخطر على بالي

وهي طويلة.

.ذكر وفاة المنصور بن أبي عامر:

في هذه السنة توفي أبو عامر محمد بن أبي عامر المعافري، الملقب بالمنصور، أمير الأندلس مع المؤيد هشام بن الحاكم، وقد تقدم ذكره عند ذكر المؤيد، وكان أصله من الجزيرة الخضراء من بيت مشهور بها، وقدم قرطبة طالباً للعلم، وكانت له همة، فتعلق بوالدة المؤيد في حياة أبيه المستنصر.
فلما ولي هشام كان صغيراًن فتكفل المنصور لوالدته القيام بأمره، وإخماد الفتن الثائرة عليه، وإقرار الملك عليه، فولته أمره؛ وكان شهماً، شجاعاً، قوي النفس، حسن التدبير، فاستمال العساكر وأحسن إليهم، فقوي أمره، وتلقب بالمنصور، وتابع الغزوات إلى الفرنج وغيرهم، وسكنت البلاد معه، فلم يضطرب منها شيء.
وكان عالماً، محباً للعلماء، يكثر مجالستهم ويناظرهم، وقد أكثر العلماء ذكر مناقبه، وصنفوا لها تصانيف كثيرة، ولما مرض كان متوجها إلى الغزو، فلم يرجع، ودخل بلاد العدو فنال منهم وعاد وهو مثقل، فتوفي بمدينة سالم، وكان قد جمع الغبار الذي وقع على درعه في غزواته شيئاً صالحاً، فأمر أن يجعل في كفنه تبركاً به.
وكان حسن الاعتقاد والسيرة، عادلاً، وكانت أيام أعياداً لنضارتها، وأمن الناس فيها، رحمة الله. وله شعر جيد، وكانت أمه تميمية، ولما مات ولي بعده ابنه المظفر أبو مروان عبد الملك، فجرى مجرى أبيه.

.ذكر محاصرة فلفل مدينة قابس:

في هذه السنة سار يحيى بن علي الأندلسي وفلفل من طرابلس إلى مدينة قابس في عسكر كثير، فحصروها، ثم رجعوا إلى طرابلس. ولما رأى يحيى بن عي ما هو عيه من قلة المال، واختلال حاله وسوء مجاورة فلفل وأصحابه له، رجع إلى مصر إلى الحاكم، بعد أن أخذ فلفل وأصحابه خيولهم، وما اختاروه من عددهم بين الشراء والغصب، فأراد الحاكم قتله ثم عفا عنه.
وأقام فلفل بطرابلس إلى سنة أربعمائة، فمرض وتوفي، وولي أخوه ورو، فأطاعته زناتة، واستقام أمره، فرحل باديس إلى طرابلس إلى سنة أربعمائة، فمرض وتوفي، وولي أخوه ورو، فأطاعته زناتة، واستقام أمره، فرحل باديس إلى طرابلس لحرب زناتة، فلما بلغهم رحيله فارقوها وملكها باديس، ففر أهلها، وأرسل ورو أخو فلفل إلى باديس يطلب أن يكون هو ومن معه من زناتة في أمانه، ويدخلون في طاعته، ويجعلهم عمالاً كسائر عماله، فأمنهم وأحسن إليهم، وأعطاهم نفزاوة وقسطيلة على أن يرحلوا من أعمال طرابلس، ففعلوا ذلك.
ثم إن خزرون بن سعيد أخا ورو جاء إلى باديس، ودخل في طاعته، وفارق أخاه، فأكرمه باديس، وأحسن إليه؛ ثم إن أخاه خالف على باديس، وسار إلى طرابلس فحصرها، وسار إليه خزرون ليمنعه عن حصارها، وكان ذلك سنة ثلاث وأربعمائة.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة، في رمضان، طلع كوكب كبير له ذؤابة؛ وفي ذي القعدة انقض كوكب كبير أيضاً كضوء القمر عند تمامة، وانمحق نوره وبقي جرمه يتموج.
وفيها اشتدت الفتنة ببغداد، وانتشر العيارون والمفسدون، فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي بن أستاذ هرمز إلى العراق ليدبر أمره، فوصل إلى بغداد، فزينت له، وقمع المفسدين، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذاهبهم، ونفى، بعد ذلك، ابن المعلم فقيه الإمامية، فاستقام البلد.
وفيها، في ذي الحجة، ولد الأمير أبو علي الحسن بن بهاء الدولة، وهو الذي ملك الأمر، وتلقب بمشرف الدولة.
وفيها هرب الوزير أبو العباس الضبي، وزير مجد الدولة بن فخر الدولة ابن بويه، من الري إلى بدر بن حسنويه، فأكرمه، وقام بالوزارة بعده الخطير أبو علي.
وفيها ولى الحاكم بأمر الله على دمشق، وقيادة العساكر الشامية، أبا محمد الأسود، واسمه تمضولت، فقدم إليها، ونزل في قصر الإمارة، فأقام والياً عليها سنةً وشهرين؛ ومن أعماله فيها أنه أطاف إنساناً مغربياً، وشهره، ونادى عليه: هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر! ثم أخرجه عنها.
وفيا توفي عثمان بن جني النحوي، مصنف اللمع وغيرها، ببغداد، وله شعر بارز؛ والقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني بالري، وكان إماماً فاضلاً، ذا فنون كثيرة؛ والوليد بن بكر بن مخلد الأندلسي الفقيه المالكي، وهو محدث مشهور.
وفيها توفي أبو الحسن محمد بن عبدالله السلامي الشاعر البغدادي، ومن شعره يصف الدرع، وهي هذه الأبيات:
يا ربّ سابغةٍ حبتني نعمةً ** كأفاتها بالسّوء غير مفنّد

أضحت تصون عن المنايا مهجتي ** وظللت أبذلها لكلّ مهنّد

وله من أحسن المديح في عضد الدولة:
وليت، وعزمي والظلام وصارمي ** ثلاثة أشباحٍ كما اجتمع النّسر

وبشّرت آمالي بملكٍ هو الورى، ** ودارٍ هي الدنيا، ويومٍ هو الدهر

وقدم الموصل، فاجتمع بالخالديين من الشعراء منهم أبو الفرج الببغاء، وأبو الحسين التلعفري، فامتحنوه، وكان صبياً، فبرز عند الامتحان.
وفيها توفي محمد بن العباس الخوارزمي الأديب الشاعر، وكان فاضلاً، وتوفي بنيسابور.
وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن بن زكرياء أبو طاهر المخلص المحدث المشهور، وأول سماعه سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. ثم دخلت: